تجارب في السلام
مقدمة:
مع أنَّ اليمن تعجُّ بالأطراف التي تدفع نحو تأزيم الحياة السياسية، ودفعها نحو صراعات متعدِّدة، إلَّا أنَّ ثمَّة شخصيات وتجارب كان لها اسهام كبير في نزع فتيل الأزمات، وتدعيم التوافقات، وبناء التسويات، وحلِّ الكثير مِن الخلافات، يتوجَّب إبرازها وعرض خبرتها في العمل السياسي، والإفادة مِن إرثها، لما يُقدِّم نموذجًا يُمكن استلهامه في العمل السياسي، وبما يُعزِّز من الثقافة والممارسات التي تخفِّف مِن حدَّة الاستقطابات والانقسامات، ويحتوي النزعات، ويُدعِّم ثقافة وممارسات السلام.
وسيكون مفتتحنا في ذلك، تجربة الشيخ الراحل عبدالله بن حسين الأحمر (1932م- 2007م)، والذي أحيا عدد كبير مِن اليمنيين يوم الجمعة الفائت، 29 ديسمبر الجاري (2023م)، الذكرى الـ(16) لرحيله؛ فقد كان الشيخ الأحمر مِن الشخيصات ذات الحضور الممتد والمؤثِّر في الحياة السياسية اليمنية، سواء في مرحلة التشطير أو بعد قيام الوحدة.
وفي ذكرى رحيل الشيخ الأحمر، بل وفي الكثير مِن الأوقات التي يتأسَّف فيها اليمنيون على المآل الذي انتهت إليه أحوالهم، غالبًا ما يستدعون -إلى جانب أمور أخرى في شخصيَّته- دوره الكبير في تجنيب البلاد الكثير مِن الأزمات والانقسامات السياسية، إلى الحدِّ الذي كان يُوصف بأنَّه صمام الأمان بالنسبة لليمن. وكان جانب مِن النخبة السياسية على وعي كبير بأهميَّة ومحورية الدور الذي يقوم به الشيخ الأحمر في هذا الجانب، إلى الحدِّ الذي وصف فيه أحد السياسيين اليمنيين أنَّ العمل السياسي في اليمن مِن بعد وفاته لن يكون مثل سابقته. ويذهب الكثيرون، ومِنهم السياسي المخضرم عبدالسلام العنسي، إلى “أنَّ الأمور في اليمن ما كانت ستصير إلى هذا الوضع، (لو أنَّ الشيخ الأحمر كان حيًّا)، فقد كان يستطيع بحكمته وقوَّة شخصيَّته أن يكبح التشنُّجات، ويعيد الأوضاع إلى طبيعتها”. وهذا ما استنتجه فيصل جلول، وهو صحفي عربي انغمس كثيرًا في الشأن اليمني وأحاط بجوانبه، حيث يرى أنَّه لم يكن “مِن قبيل الصدفة أن تغرق اليمن في أتون الفوضى، وينهار النظام العام، بعد مرور أقلِّ مِن أربع سنوات على وفاته، حيث كان منطق التسوية الذي أجاده (الشيخ الأحمر) دائمًا هو الغائب الأكبر في الصراع على السلطة” بعد وفاته.
هذه الورقة تقف عند تجربة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر في العمل السياسي، وذلك لمعرفة السمات والمؤهَّلات التي مكَّنته مِن القيام بهذا الدور. كلُّ ذلك مِن أجل الإفادة مِن تجربته السياسية في احتواء الصراعات وتدعيم منطق ومبدأ الوفاق السياسي، وبناء التسويات، لا سيَّما وأنَّ الاستفادة مِن هذه التجربة كانت محلَّ طلب ودعوة مِن قبل عدد مِن سياسيين يمنيين.
مَن هو الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر؟
ينتمي الشيخ إلى أسرة آل الأحمر التي تتزعَّم قبيلة “حاشد”، وهي إحدى أشهر القبائل اليمنية؛ وبحكم ذلك كان لأسرته دور مؤثِّر في العمل السياسي، سواء بإسناد نظام الحكم أو معارضته. وقد ظلَّت العلاقة بين أسرة آل الأحمر وحكم بيت حميد الدين في حالة شدٍّ وجذب؛ إلَّا أنَّ التوتُّر بلغ ذروته بعد مشاركة حميد بن ناصر الأحمر (الشقيق الأكبر للشيخ عبدالله) في التخطيط للتمرُّد الذي تبنَّاه عدد مِن مشائخ القبائل وقادات الجيش ضدَّ الإمام البدر، أثناء سفر أبيه الإمام أحمد للعلاج في إيطاليا، عام 1959م. وبعد عودته، أرسل الإمام أحمد حملات عسكرية وحشية ضدَّ عدد مِن القبائل، ومِنها “حاشد”، وأعدم خلالها كلًّا مِن الشيخ حسين بن ناصر الأحمر (والد الشيخ عبدالله) وأخيه حميد، ووضع الشيخ عبدالله في سجن بمحافظة حجَّة.
ومع قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م، خرج الشيخ عبدالله مِن محبسه، وقاد قبيلة حاشد لإسناد الثورة والنظام الجمهوري، وشارك فيما تلاها مِن حرب بين الملكيين والجمهوريين. وعقب حسم الجمهوريين المعركة، برز الشيخ عبدالله كواحد مِن أكثر الرجال تأثيرًا في المشهد السياسي اليمني، وفي صنع الأحداث، وخلال تلك المدَّة تقلَّد الأحمر منصب عضو مجلس الرئاسة، ووزير الداخلية (3) مرَّات، ورئيس المجلس الوطني الذي صاغ الدستور اليمني، ورئيس مجلس الشورى مِن عام 1971م حتَّى 1975م، ورئيس مجلس النوَّاب منذ 1993م، ورئيس الهيئة العليا لحزب التجمُّع اليمني للإصلاح منذ تأسيسه عام 1990م، حتَّى وفاته. وقد اختلف الشيخ الأحمر كثيرًا مع رؤساء اليمن، إلَّا أنَّه ظلَّ ملتزمًا بآداب الخلاف والاختلاف.
السمات الشخصية:
اتصف الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر -بحسب معاصريه- بعدد مِن السمات الشخصية والقيم الأخلاقية التي مكَّنته مِن أداء دور راقٍ في العمل السياسي، مِنها الذكاء الفطري، والوفاء، والمصداقية، والحكمة في التعامل، والتوازن في المواقف. وكان شجاعًا يُعبِّر عن أفكاره ومواقفه مِن خلال كلمات وتعبيرات عفوية ومباشرة ومختصرة. ومِن السمات البارزة فيه تعامله مع الآخرين بدرجة عالية مِن التقدير والاحترام؛ فبحسب شهادات أحد أعضاء مجلس النوَّاب، الذي رأسه الشيخ فترة طويلة: “لم يُعرف عن الشيخ عبدالله أنَّه كان يقمع الآراء في المجلس، أو يحقِّر مِنها، ولم يتعرَّض النوَّاب لأيِّ أذى طوال ما كان رئيسًا لمجلس النوَّاب”.
المؤهلات:
استند الدور الذي تميَّز به الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر إلى مؤهَّلات تكاملت مع سماته الشخصية، وأنتجت نموذجًا راقيًا في العمل السياسي، ومِنها:
الثقل السياسي:
فبغض النظر عن المواقع الرسمية التي شغلها الشيخ الأحمر، فقد امتلك الشيخ عبدالله ثقلًا سياسيًّا كبيرًا مكَّنه مِن تقديم هذا الدور في الحياة السياسية اليمنية، وبدون هذه المكانة كان مِن الصعب أن تبرز السمات الفردية للشيخ الأحمر. وقد استمدَّ هذه المكانة مِن الدور التاريخي لأسرته، وبشكل أكبر بفعل تضحياتها ضدَّ حكم بيت حميد الدين، ومِن دوره المحوري لإرساء النظام الجمهوري، وتحوُّله الى قطب في الحياة السياسية، وفي صنع أحداثها والتأثير على مجرياتها، ونتيجة مراكمة خبرته في العمل السياسي، والتفاف العلماء وشيوخ القبائل حوله، وفي مرحلة تالية أنصار التيَّار الإسلامي وقاعدته العريضة.
استمدَّ هذا الثقل أيضًا مِن مكانته القبلية، وانغماسه اليومي في حلِّ الخلافات الاجتماعية داخل قبيلة حاشد، وبينها وبين القبائل الأخرى، بل بين مجمل القبائل اليمنية على المستوى الوطني؛ ولذا كان يلقَّب بشيخ مشايخ اليمن.
واستمد تلك المكانة مِن الدعم السعودي الكبير، فقد كانت القيادات السعودية تنظر إليه بقدر كبير مِن الاحترام والتقدير، وتعاملت معه كزعيم يمني، وليس كتابع. وقد استطاع الشيخ الأحمر أن يوجَّه هذه العلاقة لخدمة اليمنيين، والمصالح المشتركة بين الدولتين.
التعامل مع السياسة مِن منطلق المبادئ والقيم:
إنَّ مِن أكثر ما يميَّز الشيخ الأحمر ممارسته السياسة وفق المبادئ التي يؤمن بها؛ فقد كان الشيخ يلتزم بنسق مِن القيم الإسلامية والوطنية التي تربَّى عليها، ونشأ فيها منذ صغره، وهي قيم يتشارك معه فيها غالبية اليمنيين، وترسَّخت لديه بفعل احتكاكه مع روَّاد العمل الوطني، ورموزه السياسية والدينية، وعلى رأسهم أستاذه “أبو الأحرار”، القاضي محمَّد محمود الزبيري، الذي أحاط الشيخ باهتمام ورعاية خاصَّة، ونوَّره إلى ما ينتظره مِن مسئوليات ومهام وطنية، وكان بمثابة الأستاذ والموجِّه بالنسبة له، وقد توثَّقت العلاقة بينهما على نحو كبير، فشكَّلا معها قوَّة فكرية وشعبية تساند النظام الجمهوري الوليد، وترك الزبيري فيه بصمات واضحة حدَّدت خطَّه السياسي والوطني.
التسامح السياسي:
كان الشيخ خصمًا عنيدًا للحكم الإمامي، ومدافعًا عن الجمهورية دون هوادة، إلَّا أنَّه وقف بحزم ضدَّ أيِّ تجاوزات كان يتعرَّض لها الهاشميون بعد الثورة، وكثيرًا ما كانوا يلجؤون إليه فلا يتوانى عن حمايتهم. كما كان ملجأ لنساء بيت حميد الدين. وعلى الرغم مِن تضرُّره مِن النظام الإمامي، لم يكن يتردَّد في وصف الأئمَّة الذين عرفهم بما يستحقِّون مِن الوصف الذي عرفه عنهم”، سلبًا أو إيجابًا. كما أنَّه لم يحمل حقدًا شخصيًّا على أسرة حميد الدين بالرغم مِن أنَّها قتلت أباه وأخاه، فقد كان يبادر إلى تقديم واجب العزاء في مَن توفِّي مِنهم. وينقل عنه فيصل جلول أنَّ الإمام محمد البدر توفِّي في أغسطس 1996م، وشاءت الأقدار أن يكون الشيخ عبدالله في زيارة لمدينة جدَّة، فذهب بنفسه إلى منزل أحد أقاربه، وفوجئ أهل الدار بوصوله مِن دون إنذار سابق، وطرقه للباب، ليقول لهم: “أنا عبدالله بن حسين الأحمر، جئت لأعزيِّكم بوفاة الإمام البدر”، وهو يرى ذلك واجبًا دينيًّا وإنسانيًّا، نحرص في اليمن على تأديته رغم الخلافات والخصومات، فلا بدَّ أن نعزِّي بعضنا بعضًا في الأتراح، ونهنِّئ بعضنا بعضًا في الأفراح. والتعازي كما التهاني لا علاقة لها بالأمور السياسية”.
وقد اختلف مع الرئيس عبدالرحمن الإرياني، وعندما كانت الأطراف تجتمع للتخطيط للانقلاب عليه اشترط الشيخ الأحمر أن لا تسقط قطرة دم، وألَّا يتعرَّض الرئيس الإرياني لأيِّ إساءة.
وفي مرحلة تالية، اختلف الشيخ الأحمر مع الرئيس إبراهيم الحمدي، ما اضطرَّه للخروج مِن صنعاء، والبقاء في مدينة “خمِر”، والتي تقع في قبيلة حاشد إلى الشمال مِن صنعاء. وعندما علم الشيخ الأحمر باغتيال الرئيس الحمدي استنكر ذلك، واستنكر بشكل أكبر الطريقة التي تمَّ بها التغطية على الاغتيال؛ وبعث وقتها برسالة إلى أحمد حسين الغشمي يقول فيها: “تغطيتكم للجريمة غير مشرِّفة، يجب أن تتبنَّوا الانقلاب الذي قمتم به، وتعلنوا مبرِّراته، وتكفُّوا عن البكاء والتظاهر بالبراءة بطريقة مخجلة”.
التعامل باعتدال وحنكة:
فقد كان الاعتدال والتوازن سمتان مطَّردتان في مواقف الشيخ الأحمر وقراراته، بما في ذلك أوقات الأزمات والانقسام، وكثيرًا ما كان يؤتي هذا الأمر ثماره؛ فقد نجح على سبيل المثال في الحفاظ على تماسك السلطة التشريعية ووحدتها أثناء الأزمة السياسية التي عصفت بالبلاد منذ أغسطس 1993م، وحتَّى يونيو 1994م.
وظلَّت حكمة الشيخ عبدالله عاملًا حاسمًا في إنهاء الخلافات السياسية لعدَّة عقود. وكانت علاقته الجيِّدة برئيس الجمهورية السابق، علي عبدالله صالح، مِن أهمِّ أسباب الاستقرار في اليمن.
وكثيرًا ما كان يُغلِّب المواقف ذات الكلفة الأقل في القطيعة السياسية على ما سواها، ومِن ذلك موقفه مِن الانتخابات الرئاسية 2006م، والتي اتَّسمت بمستوى عال مِن الحدَّة والاستقطاب بين الرئيس “صالح”، ومرشَّح أحزاب اللقاء المشترك، فيصل بن شملان، فقد كان الشيخ الأحمر مقتنعًا باختيار فيصل بن شملان لمنافسة “صالح”، لكنَّه كان يدرك أنَّ الأخير لن يسلِّم السلطة، وأنَّ البلاد قد تتَّجه إلى منزلق خطير، وأنَّ الأمر يقتضي التعامل بحكمة عالية، فأعلن دعمه لـ”صالح”، خلافًا لموقف حزبه، وحتَّى لقناعاته الشخصية ذاتها.
والحقيقة أنَّ هذا الموقف يندرج ضمن خطوات أخرى قام بها الشيخ لتجنب الصدام مع الرئيس “صالح” قدر الإمكان، في ضوء توجُّهات الأخير لتوريث السلطة لنجله الأكبر “أحمد”، وما يقتضيه ذلك مِن إضعاف الشخصيات والأطراف القويَّة، وفي مقدِّمتها الشيخ الأحمر. وقد حرص الشيخ على ألَّا يختم عمره بصدام لا يتورَّع الطرف الآخر فيه عن استخدام الأوراق المشروعة وغير المشروعة للنيل مِن سمعته، لذا فقد تحجَّج الشيخ بإجراء فحوصات في السعودية للابتعاد قدر الإمكان عن المشهد بما يمكِّنه مِن أن يعفَّ نفسه عن اشتباك سياسي وإعلامي لا يُراعى فيه مقامه وتاريخه.
ومِن المواقف التي تؤشِّر إلى اتِّزان وحكمة الشيخ عبدالله موقفه مِن غزو العراق للكويت في أغسطس 1990م، فقد اتَّخذ موقفًا منفردًا، خلافًا للجوِّ العام الذي تغلَّبت فيه العواطف المتعجِّلة؛ فقد أدان غزو العراق للكويت، وظلَّ على موقفه مخالفًا للموقف الرسمي وللمزاج الشعبي الواقع تحت تأثير الإعلام، وشكَّل لجنة شعبية لمناصر الشعب الكويتي، واستمرَّ على موقفه طوال تلك المحنة؛ وبعد تحرير الكويت قام بزيارة للكويت، واُستقبل بحفاوة كبيرة تقديرًا لوفائه وموقفه.
على المستوى الخارجي:
امتدَّ حضور الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر في حلِّ الأزمات، وبناء الحلول، إلى المستوى الخارجي لليمن، فقد نشبت أزمة بين اليمن والمملكة العربية السعودية، وتطوَّرت إلى تحشيد واشتباك عسكري مسلَّح في الحدود، ما اقتضى تدخُّلًا مِن الرئيسين، المصري آنذاك “محمَّد حسني مبارك”، والسوري آنذاك “حافظ الأسد”.
وقد تصدَّى الشيخ الأحمر لحلِّ هذه الأزمة التي كانت توشك أن تكون حربًا مؤلمة؛ واستغلَّ ما يحظى به مِن قبول ومصداقية لدى السعودية، فترأَّس وفدًا يمنيًّا رفيع المستوى لزيارتها في 12 يناير 1995م، وعمل على احتواء الأزمة وتداعياتها الخطيرة. وظلَّ الشيخ في العاصمة السعودية (الرياض) قرابة (40) يومًا؛ وبعد مباحثات مضنية نجح في التوصُّل إلى توقيع مذكرة التفاهم، في 27 رمضان 1415هـ، والتي فتحت الطريق أمام عودة العلاقات الطبيعية بين الجمهورية اليمنية والمملكة العربية السعودية، وصولًا إلى توقيع اتِّفاقية الحدود بين البلدين في 12 يونيو 2000م.
الخلاصة:
لا شكَّ أنَّ انتشال اليمن مِن حالة الفوضى والصراعات المتعدِّدة والمتشابكة يتطلَّب استدعاء وإبراز القيم والممارسات، والتجارب الشخصية والجماعية، التي تعزِّز مِن نهج التوافق، وتُقدِّم السلوك السياسي الذي ينحاز إلى المشتركات العامَّة، ويُعطي الأولوية لبناء التفاهمات والتسويات، ويُدير الخلافات بقدر مِن الرقي والعقلانية، ويجعل مِن أولوياته احتواء النزاعات وحلِّها. ويأتي في طليعة ذلك تجربة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، الذي يمتلك أدوارًا وخبرة سياسية واجتماعية تتَّسم بقدر كبير مِن الثراء، فإلى جانب دوره الاجتماعي الذي كان يُعدُّ معه شيخًا لمشايخ اليمن، ورمزًا للقبيلة وقيمها وأدوارها، وليس فقط زعيمًا لقبيلة حاشد، كان كذلك قُطبًا سياسيًّا مؤثِّرًا في المنعطفات والتحوُّلات، في مختلف مراحل الحياة السياسية اليمنية، منذ منتصف الخمسينيَّات وحتَّى وفاته عام 2007م.
وفي تقديرنا أنَّ أوَّل جوانب الإفادة مِن إرث الشيخ الأحمر هو إبراز هذا الدور، وإشاعته، وإعطاءه حقَّه مِن التقدير، لا سيَّما أنَّ الشيخ الأحمر وأدواره وخبرته في العمل السياسي والقيادة الاجتماعية تعرَّضت للكثير مِن التشويش والتشويه مِن قبل أطراف مختلفة، ولأسباب وسياقات مختلفة أيضًا.
ويقع على السياسيين اليمنيين استلاهم تجارب وخبرة وقيم الرعيل الأوَّل مِن السياسيين والمفكِّرين اليمنيين في العقود الأولى مِن القرن الماضي، ومِنهم الشيخ الأحمر، وهي تجارب تنطوي على الكثير مِن القيم والممارسات والنماذج التي يُمكن استلهامها في ترشيد الحياة السياسية وعقلنتها، وضبط إيقاعها وحلِّ الكثير مِن أزماتها.
ويقع على أبناء الشيخ الأحمر ومحبِّيه مسئولية كبيرة في إشاعة سيرته في العمل السياسي والاجتماعي، وأدواره في تسوية وحلِّ النزاعات الاجتماعية والسياسية، بما يمكن أن يساهم في تعزيز الرُشد والعقلانية، وقيم التقدير المتبادل، والتسامح، وتدعيم المشتركات العامة في الحياة السياسية.